الكاتب / أ.د. علي محمد نور المدني
يسعدك توفيق رب العالمين بصحبة الصالحين الراغبين عن الشهرة والوجاهة، العازفين عن قبول المديح والثناء، المقبلين على الدعوة بخُلُقهم الحسن. كذلك كان الشيخ الجليل الوقور عبدالرحمن الجودر رحمه الله. كانت صحبتي إياه نفيسة من النفائس استقرت في مكنون النفس. فلما طال عليها الزمان، وفارَقنا النفيس ببدنه، انبعثت النفس تستجلي ذكريات عزيزة، غائرة في الأعماق، زاد أثرها في نفسي مع مُضِي الوقت. وشعرت أن النفيس إذا بقي مخزونا تَنْدَرِس معالمه، ولا يظهر جماله إلا بالتعبير عنه، كما يعبَّر عن جمال الجواهر حين تظهر للعيان.
ولقد ظفرت بأيام انفردت فيها به - رحمه الله - حين انتدبتني الجمعية لمرافقته إلى مهرجان اللغة العربية برعاية ندوة العلماء بالهند سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف من القرن المنصرم، وذلك في مدينة لكناوه بشمالي الهند. كان يرأس الندوة آنذاك العلامة أبوالحسن الندوي رحمه الله. ولقد كان من أعظم الذخائر التي ظفرت بها في هذه الندوة زيارة الإمام الندوي في صومعته المتواضعة، هذه الزيارة ماكثة في صفحات القلب لا تفارقني أبدًا. ولا يسعني الحديث عنها هنا، وإنما أثنيت على ذكراها العطرة؛ لذكر شيء عظيم من أفضال الشيخ عبدالرحمن الجودر عليّ؛ فلقد كنت حينها شاباً في بداية تحصيلي العلمي إعداداً لرسالة الماجستير في العلوم اللغوية. هذا الفضل لم أكن لأناله من غير هذه الصُّحبة، فضلاً عن لقائي ثَمَّ بكوكبة من علماء الإسلام في العربية والشريعة، أذكر منهم العلامة الشيخ يوسف القرضاوي مع رفيقه الذي كان لا يفارقه الشيخ الجليل عبدالبديع صقر رحمهما الله، ثم اللقاء بشيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبدالحليم محمود رحمه الله، ولقاءات أخرى كثيرة شرُفْت بها شرفا عظيما. وقد كان ذلك كله من أعظم الفرص النادرة.
بيد أن ما حظيت به من صُحبة الشيخ عبدالرحمن كان مِنَّة من الله خالصة؛ فلقد كانت الرحلة بضعة أيام، عرفت فيها الشيخ معرفة الصاحب المصاحب في السفر؛ هذه المعرفة تُطْلِع ذي الصحبة على دقائق من الخصال قلما تجود بها اللقاءات العابرة. كنت أراه عبداً صالحاً مصلحاً داعية إلى الله، فإذا به يجوز ذلك كله إلى مناقب خاصة، لم أكن لأعرفها لولا صحبة السفر! علِمته عندئذ رجلاً بصيراً بالحياة خبيراً بها، واسع المعرفة بالعلماء الصادقين والدعاة المخلصين من شتى الأقطار، يعرفهم ويعرفونه، يُجِلُّهم ويُجِلُّونه، ولكنك لا تراه إلا مغموراً؛ لأنه لا يكشف عن حقيقة نفسه، وسعة معارفه! وإنما تحقَّقت من هذه الحقيقة آنذاك، فكنا كلما سرنا في أرجاء المهرجان، أو طفنا بأرجاء ندوة العلماء استوقَفَنا على هذا وهذا! ولم يكن هذا وهذا إلا عَلَماً من أعلام الدعوة المباركة، وكان ديدنه - رحمه الله - أنْ يُعَرِّفني بهم، فكانت حصيلة ذلك أن شَرُفت بلقاء طائفة من العلماء. ثم لما اتَّسعت رقعة أسفاري لاحقاً، أدركت أن معارفه أكبر مما علِمْتُه؛ فحيثما أحُلُّ أجد من يعرفه ويسأل عنه، ويثني عليه وعلى جهوده الدعوية.
أحسبه - والله حسيبه - أنه كان من الأولياء الأخفياء؛ لِما كان يتمتع به من مكارم الخُلُق. فلقد ألفيته صبوراً عظيم الصبر، يتحمل أوجاع دائه العُضَال، ويصبر على أذى السفهاء من الناس، لا يُضيره مَن تكلَّم فيه بالجرح والكذب والبهتان. يصبر على الجوع الطويل، فلقد رحَلْنا بعد ذلك المهرجان الحافل من لكناوه إلى دلهي، وهناك حطَّت رحالُنا في فندق ليس به مطعم، ولقد خرجنا ذات يوم بحثاً عن مطعم نتناول فيه وجبة الغداء، فاعتفس بنا الطريق، وجف منا الرِّيق، فطفِقْنا نتضوَّر جوعاً، وكنت لا أطيق طول الصبر على الطَّوَى متململاً من التيه وبُعد الطريق إلى المأكل والمَشرب، بعد أن تفرقت بنا السُّبُل إليه، وهو يُصبِّرني غير ضاجر، ولا متأفف، بل صابر رغم حاجته الماسة إلى وجبة تُذهِب عنه أذى الجوع الذي ألمَّ به من معاناته داء السكري!
ولعل من الصفات النادرة التي علِمْتُها عنه في هذه السفرة، هي طول الصمت، والتحلِّي بالإحجام عن الولوج في لحوم الناس مهما كان الأمر، وإذا حمله الموقف على إبداء موقفه فلا يعدو أن تفْتُر شفته عن شبه ابتسامة، من غير تعليق. فأخلِقْ بها صفة من صفات الخلصاء. ولم يكن ملحاحاً في الطلب، فإن سأل عن شيء فلا يكرره، بل يترك الأمر للمسئول! أفَهِمَه؟ أم جَهِله ؟ فقد يرى في التكرار إحراجاً لصاحبه، فيدع السؤال منسرحاً في رحاب نفسه. رحِم الله الشيخ أبا أحمد الجودر، ورَزَقه أعلى المقامات في الفردوس الأعلى من الجنة، وأبقى جهده وعلمه الذي ورثناه عنه صدقة جارية له.
هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...
سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...
🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...
القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...
تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...
عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...