• 2021-06-16

رذاذ

المرجفون في المدينة

الشيخ عبدالناصر عبدالله

الكاتب / الشيخ عبدالناصر عبدالله

الإشاعة مرض مجتمعي خطير، وشر مستطير، وهي مذمومة ومحرمة ومجرّمة في الإسلام، وصاحبها مأزور غير مأجور، لأنها لو كانت مكذوبة مفبركة، فإن الكذب حرام في دين الله (وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).. وإن كانت صحيحة واقعة، لكن في إذاعتها مفسدة وأذى فإن ذلك محرم أيضاً بنصوص كثيرة.
ويزداد خطر الإشاعة إذا كانت تطلق ويكون لها أثر سلبي على الدين أو الأعراض أو الأوطان أو سلامة الناس وأمنهم.. لأنه يدخل في باب الإرجاف الذي بيّن القرآن الكريم خطورته وذمّه كما ذمَّ أهل النفاق وأصحاب النفوس الخبيثة {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.
والإرجاف هو نشر الخبر الكاذب المثير للفتن والاضطراب في المجتمع بهدف إضعاف المعنويات وتثبيط العزائم.. والنبي ﷺ يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
في هذه الفترة التي نعيش فيها جائحة كورونا التي أربكت كل شيء، نحتاج أشد ما نحتاج إلى تهدئة النفوس وطمأنة القلوب لنتجاوزها بإذن الله تعالى برجوعنا إلى ربنا أولاً، ثم باتخاذنا الأسباب واتباعنا الإجراءات الاحترازية.
ولكن الأزمة تزداد تفاقماً حينما يتكلم كل واحد منا فيما لا يعنيه، وينظِّر فيما لا علم له به.. تزداد المشكلة سوءاً حينما يأتي المرجفون بأخبار كاذبة، أو ينشرون معلومات مغلوطة، أو يعممون بيانات لا أساس لها من الصحة، أو يشككون في قدرات المتخصصين، لأن ذلك من شأنه أن يُحدث الاضطراب، ويوهن العزائم، فربما صدق بعض الناس هذه الأراجيف، فتأثروا بها سلباً وتناقلوها بينهم.. والنبي ﷺ يقول (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).
ومن المضحك المبكي أن يعتمد بعض المرجفين مصدر (يقولون) أو مطية (كما وصلني) دون التحقق والتثبّت، ولهؤلاء نهدي قول النبي ﷺ (بئس مطيّة الرجل زعموا).
بل إن النبي ﷺ حذر من إلقاء الكلام على عواهنه ونشره دون التأكد من ثبوته وصحته، ودون النظر في مآلاته وعواقبه.. قال رسول الله ﷺ (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
لذلك فإن الهدف من كل ما ذكرناه ونقلناه من هدي النبي ﷺ هو التحذير من نشر الإشاعات، وترديد الكلام دون تمحيصه والنظر في آثاره، والدعوة إلى استقاء المعلومات من مصادرها ومظانّها، وسماع التوجيهات من أهلها والمتخصصين فيها، فنحن في حالة أحوج ما نكون فيها إلى تحري الدقة فيما نقول وننشر، وأن نتقي الله في أنفسنا ومجتمعنا وبلادنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
والله من وراء القصد

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...