• 2020-10-24

إدارة

مهارات إدارية في الهجرة النبوية (2)

د.سنية عبدالله الصالحي

الكاتب / د.سنية عبدالله الصالحي

أما إذا انتقلنا إلى عملية التوجيه، التي تهدف إلى التحفيز والدفع نحو الرؤية والهدف ، فهذا هو المدير والقائد الأعظم حينما وجهه الصحابة بالهجرة تمهيدًا لانتقال الإدارة العليا بعد ذلك، وقيامه صلى الله عليه وسلم بالتوجيه بسرية الأمر وعدم إبلاغ أحد حتى لو كان أقرب الأقربين، بل هو الذي قال: "يا أبا بكر ما ظنُك باثنين الله ثالثهما"، وقال له: "لا تحزن إن الله معنا"، ووجّه سراقة وقال له ارجع ولا تُخبر عنا ولك سواري كسرى.
أما عملية المتابعة والرقابة: وهي الركن الأخير من أركان العملية الإدارية، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنظام المتابعة الشاملة لكل جوانب مشروع الهجرة، حيث قام بالمتابعة القَبلية أي قبل المشروع، وتمثل ذلك في متابعة مدى تناسُب كل وظيفة للفرد المُكلف بها، ومتابعة توزيع المهام وكيفية الأداء وذلك لخطورة وسرية العملية، ثم متابعة فريق الصحابة الذي سبق إلى المدينة ومدى تقبُل أهل المدينة لهؤلاء الصحابة وانسجامهم في المجتمع المدني، تمهيدًا لاستقبال الإدارة العليا والتي ستنطلق إلى إدارة الأمة الإسلامية بعد ذلك.
وهذه هي المتابعة أثناء التنفيذ فيتابع النبي صلي الله عليه وسلم مدي تنفيذ كل فرد لمهمته، بل يتابع الأخبار والمعلومات الواردة له من جهاز المراقبة ليتخذ قراره بالخروج من غار ثور ليستكمل رحلته.
وتأتي المتابعة البَعدية وهي بعد تنفيذ المشروع وتحقُق الهدف بالوصول للمدينة، فقد تابع النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا علي أبن أبي طالب في رد الأمانات لأهل مكة ثم لحق به سيدنا علي بمسجد قباء بعد نزول النبي عليه السلام وبناء المسجد بيومين، وتابع عليه السلام فريق العمل الذي شارك في عملية الهجرة، والذي ما زال في مكة، حيث أرسل إليهم زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهم البعير وخمسمائة درهم ليحملوا فريق العمل من مكة إلى مقر الإدارة العليا الجديد، فخرجت السيدة أسماء والسيدة عائشة وأم كلثوم وعبد الله بن أبي بكر وآخرين كما جاء بكتب السيرة، ثم تابع صلى الله عليه وسلم نجاح المشروع ببناء أركان الدولة الإسلامية بعد ذلك، و هو الهدف الرئيس الذي من آجله كانت الرحلة وكان المشروع.
وأخيرًا.. لقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم بقدراته ومهاراته في إدارة المرحلة من تلقي التكليف الإلهي، إلى أن أسس لأقوى امبراطورية إسلامية في التاريخ، ودَرب وعَلم مجموعة من القادة العظماء أناروا الدنيا برسالة الإسلام. وليَعلم القاصي والداني أن الدولة الإسلامية وقياداتها من قائدها الأعظم سيد البشرية ومرورًا بكل القادة العظام، قد أخذوا بعلم الإدارة ولم يتركوا الأمر للتواكل والفوضى بل أخذوا بكل جوانب الإدارة كأسباب للنجاح والإنجاز، ثم توكلوا علي مسبب الأسباب.. وهذه رحلة الهجرة النبوية أعظم حدث للبشرية خير مثال.

آخر المقالات

  • قاعدة (ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب) ونماذج من تطبيقاتها في الدّعوة والعمل الإسلامي

    2022-12-23

    هذه إحدى القواعد الفقهيّة الّتي يكثر تداولها في كتب الفقه ومصادره، ومفادها أنّ كلّ وسيلة لا يُتوصّل إلى فِعْل الواجب إلاّ بها فهي واجبة، لأنّ إيجاد الفعل المأمور به إذا توقّف على إيجاد شيء آخر كان هذا الشّيء واجباً، وكما أنّ وسيلة المحرّم محرّمة فكذل...

  • ريح يوسف ورجاء يعقوب

    2022-12-22

    سورة يوسف سماها الله أحسن القَصص لأنها تضمَّنت من الأحداث ما يظنه الواحد منا لأول وهلة أنها مصائب ومحِن، غير أن المتأمل في نتائجها يجد أنَّ رحمة الله الرحمن الرحيم تتجلى في ثنايا هذه المحن، لتحيلها مِنَحاً وعطايا. قصة بدأت برؤيا، تم تعبيرها من قِبَل...

  • فاسألوا أهل الذكر (10)

    2022-12-22

    🔹 السؤال: رجل أشكل عليه موضوع فسأل عدداً من الفقهاء المتخصصين في علوم الشريعة، وكل واحد أجابه بجواب مختلف، فهل يجوز له أن يأخذ من أقوالهم أيسرها وأخَفِّها عليه؟ الجواب : إذا كنت قادراً على النظر في أدلة مَن أفتاك والترجيح بينها تبَعاً لقوة الدلي...

  • حينما يسبق الأفراد القيادة

    2022-12-21

    القيادة بمثابة الرأس للجسد؛ فهي القاطرة التي تقود المؤسسة أو الكيان إلى النجاح والتقدم، والتاريخ مليء بقيادات غيَّرت وجه التاريخ، وأولها بالطبع القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت القيادة بهذه الأهمية وهذا التأثير فلابد لها من مجموعة خصائص وم...

  • سمكة المجداف

    2022-12-21

    تشير بعض المصادر العلمية إلى أن السمكة المسماة سمكة المجداف عاشت على مدى زمني طويل جداً! وهي ذات أنف عجيب ويُعتقَد ان لديها القدرة على التنبؤ بالزلازل! ولملايين السنين كان نهر يانغتسي بالصين (وهو ثالث أطول أنهار العالم بعد النيل والأمازون) مأوى لأصن...

  • بروتوكول وآداب تناول الطعام

    2022-12-20

    عندما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتناول الطعام مرة وجد أن يد الصحابي الغلام (عمر بن أبي سلمة) رضي الله عنه تطيش في الإناء، فقال صلى الله عليه وسلم بكل هدوء ومن غير غضب أو زجْر بهدف تعليم الغلام وتعليم الأمة واحدة من أهم آداب تناول الطعام وخاصة ...